لبنان عربي – خاص
تشتكي شريحة واسعة من أبناء العاصمة بيروت بأن مدينتهم لم تعد تشبه نفسها وإرثها الضارب في عمق التاريخ. والكلام هنا بالتحديد عن وسط المدينة وغربها وأحياء محدودة من شرقها. يردد الكثير من البيارتة بأن شوارع بيروت لم تعد تلك الشوارع التي فيها مشوا وعاشوا سنين الصبا والمراهقة في أجواء مبهجة وباعثة على الحياة، حيث النشاط موفور في كل مجال وفي كل بقعة.
وأكثر ما يحز في قلب هؤلاء هو الحنين الذي يشعله مقالات وتدوينات لأشقاء عرب من مختلف الدول العربية، يتغنون فيها ببيروت “لؤلؤة الشرق” والمدينة “العصية على الموت” و “درة المتوسط” وغيرها من الألقاب التي التصقت بالمدينة خلال عقود غابرة، أمست وكأنها زمن بعيد انقضى ولن يعود من جديد.
يقول أحد الناشطين البيارتة: “ليس الأمر رومانسية ولا نوستالجيا أو بكاء على الاطلال بقدر ما هو واقع مفزع لم تعهده بيروت حتى في أسوأ أيامها حينما اجتاحتها جحافل الصهاينة، أو حينما استباحتها الميليشيات. حينذاك كانت المدينة تقاوم الموت والرصاص والقذائف بشكل يومي. فإذا ما خلا شارع أو حي بسبب المعارك، كان الحي الآخر القريب يضج بالحياة”.
يتابع الناشط: “أما اليوم، فالشوارع ترزح تحت وطأة ظلمة حالكة، وتزداد رهبة رواد بيروت وزوارها حينما يدخلون واحداً من أنفاقها، حيث تكتسي الكآبة الأوجه والأنفس من بشاعة المشهد. يضاف اليها الأوساخ المنتشرة على قارعة الطرقات، ورائحة البول التي تفوح في زوايا وأمكنة كثيرة كان لنا فيها ذكريات جميلة”.
هي مدينة “انقلبت على نفسها”، حسب توصيف عدد من أبناء العاصمة ممن نزحوا منها نحو الضواحي والأحياء المجاورة، حيث يرى الكثير من أبناء بيروت أن الواقع الحزين لمدينتهم التي عشقوا هو ثمرة انقلاب طويل الأمد، بدأ منذ عقدين تقريباً، ونجح في سلب بيروت الكثير من صورتها المشرقة.
لكن الأمل يبقى في عودة الروح الى العاصمة التي لطالما ظن الكثير ممن مر عليها أنهم نجحوا في قتلها، فإذا بها تنبعث من رمادها وتلفظهم ليدخلوا التاريخ من بابه الصغير تحت عنوان “فشلوا على أسوار بيروت”.