لا… وكبت الحرّيّات: أنا حرّ! أنا حرّة!

سعاد عبد القادر قصير – لبنان عربي
هكذا يمكن وصف العصر الحالي تحت مسمّى الحرّيات الشّخصية. فهل مصطلح “لا” بات عائقًا أمام هذه الحرّيات؟ وهل يمكن اعتباره تطفّلًا على معتقدات الناس التي يسيطر عليها عالم السوشال ميديا؟
تردّدت كثيرًا قبل أن أكتب هذا المقال لئلّا يعتبره البعض تعدّيًا على الحرّيات التي تشكّل خيارًا شخصيًّا لا يحقّ لأحد تسييجها ووضع قيود عليها طالما أنّها لا تسبّب الأذى لأحد.
ولكن، هناك بعض المواقف، عند من يسمّون أنفسهم صنّاع محتوى، لا يمكن إلّا الوقوف على حافّتها.
لا شكّ أن البعض منهم يقدّم محتوى هادف لمتابعيه، ولكننا في المقابل نجد العديد ممّن يقدّمون محتوى من اللّاشيء.
فراغ واندفاع حول شهرة زائفة. والغريب هو كمّ المتابعين الذين ينجرّون وراء وهم معتبرين أنّها حرّية شخصيّة، “ويلي مش عاجبو ما يحضر”.
متى يجب إحكام القيود على الحرّيات الشّخصيّة؟
هذا ما بات واجبًا على المجتمع اليوم طرحه بشكل جدّي وحاسم، إذ لم يعد بإمكان الأهل إحاطة أبنائهم بهالة من الأمان وحمايتهم من افتراس بريق الفوضى والفراغ لفكرهم وطموحاتهم ومستقبلهم.
حيث أصبحت متابعة تفاصيل ما تقدّمه التّكنولوجيا الحديثة لهم على مدار ٢٤ ساعة، مهمّة مستحيلة.
دوّامة البلوغرز، تلك الثّقافة الحديثة التي تجتاح البيوت لتبتلع العقول الطرّية، وهذا ما لم يعد بالإمكان التّغاضي عنه. فهؤلاء، ولا شكّ، سيكونون القدوة التي يمثل بها الجيل الصّاعد، خصوصًا أنّهم يرون فيهم مصدرًا سهلًا للمال، والمال الكثير.
فهل هذه ستكون الرؤية المستقبليّة التي نؤسس لها اليوم؟
إن كان هذا هو المستقبل، فليس غريبًا أن نسمع عبارات تقلّل من شأن العلم، وكأنّ الشهادة الجامعيّة “تحصيل حاصل”، طبعًا نستثني اندفاع البعض للتخصّصات التي لها علاقة مباشرة بهذا التطوّر والذّكاء الاصطناعيّ الذي أصبح محور اهتمام الجميع. وكأنّ المستقبل المرسوم أمامنا لا يحتوي إلّا طريقين، صانع محتوى أو عالِم بالذكاء الاصطناعيّ، وأمّا من يختار طريقًا آخر مصيره الفشل والفقر وانعدام الوجود، شبح غير مرئيّ في عالم لم يعد يحترم وجوده ويُسخّف خياراته.
فماذا لو اعترض الرّأي العام اليوم على صنُاع اللّامحتوى؟ على الأقل لحصر استخدام التّكنولوجيا في حدود الإفادة وتصويب ما يخرّبه البعض، فهل هذا يُعتبر فعلًا تعدّي على الحرّية الشّخصيّة؟ أليسوا هؤلاء من سيقودون الجيل اللّاحق إلى عالمهم الفارغ؟ ولماذا ننتظر حتى وقوع الكارثة؟
لم نجد، حتى الآن، أيّ جهة مسؤولة تجرّأت لإطلاق مصطلح “لا” لوضع حدود منطقيّة تحمي أجيال الغد من التّلاعب بعقولهم والمبادئ التي يحاول الأهل زرعها في نفوسهم.
أمّا من يحاول من الرًأي العام، الاعتراض على هذا النّوع من تشويه الفكر والثّقافة التي يؤمنون بها، نجده يُحارب باسم الحرّية الشّخصيّة والتّعدّي على حقوق النّاس باستهلاك التّكنولوجيا كما يحلو لهم.
ولكن من قال أن هذا الاستخدام غير الخاضع لأيّ رقابة، لا تشكّل خطرًا على النّاس؟ من قال أن السوشال ميديا مباحة لدرجة اعتدائها على حيطان البيوت وأمانها؟
أليس واضحًا أنّنا اليوم نواجه خطر انهيار المنظومة المجتمعيّة بكلّ ما تحمله من مبادئ أساسيّة في بناء بيئة صالحة دينيًا وأخلاقيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا؟!
ربّما حان الوقت لإعادة النّظر بطريقة استخدام التًكنولوجيا، وتوعية أطفال اليوم حوا هذا العالم الواسع، كي لا نراهم غدًا تائهين بين السّطور السّوداء لمن يدّعون أنّهم قرّاء المفاهيم العصريّة الحديثة.