رأي

هل تعطّل إسرائيل إيجابيات فيينا؟… شواهد تاريخية عن المصالح الأميركية الإيرانية ودور تل أبيب في ضربها

لبنان عربي – محمد المدني

في ظل ما نشهده من محادثات ما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ومع إستمرار الحوادث الأمنية التي تنفذها “اسرائيل” ضد طهران، من “الهجوم” على منشأة نطنز النووية الى التعرض لسفينة إيرانية في البحر الأحمر، بالإضافة الى القصف المتتالي على المواقع الإيرانية في سوريا.

تعود بي الذاكرة الى كتاب “حِلفُ المصالح المُشتركة، التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية”، للباحث تريتا بارزي Trita Parsi، الصادر عن الدار العربية للعلوم “ناشرون”، عام 2008.

تكمن أهمية هذا الكتاب بأنّه لا “يُقدّس” نظرية المؤامرة، بل هو عبارة عن كتاب معلومات تاريخية استحصل عليها الكاتب مباشرة من أشخاص كانوا في مواقع سلطة القرار في الدول الثلاث.

يقول الباحث في مقدمة كتابه، انه إعتمد في التأليف على مقابلات مباشرة أجراها مع مسؤولين ومحللين وصناع قرار من الولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل، يذكرون له حقيقة المواقف التي كانت تحكم العلاقة بين هذه الأطراف في العقود الماضية، وكيف كانت التجارة بين طهران وواشنطن تزدهر في ظل امتعاض اسرائيلي واضح، أجبر الدولة العظمى على توقيف أي تعامل مع إيران.

وما يجري اليوم على هذا الصعيد، يكرر ما عرفه التاريخ، فعندما يمتعض رئيس وزارء العدو بنيامين نتنياهو من عودة المحادثات في فيينا، ويصرّح أن دولته غير ملزمة بأي اتفاق بين القوى الكبرى وإيران حول ملف الأخيرة النووي، نجد له  سَبقاً في التاريخ، حيث يذكر تريتا حول التقارب الإيراني الأميركي وموقف تل أبيب منه، التالي: في عام 1994 وفي ما خص الشق الاقتصادي بلغ حجم التجارة ما بين البلدين 3.8مليار دولار،  حينها قال كيث وايزمان رئيس لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) أن “أموال الولايات المتحدة الأميركية التي تتدفق الى طهران تفوق الأموال التي ترسلها أية دولة اخرى”، في دلالة واضحة على رفض وايزمان لهذا التبادل التجاري.

ويذكرالكاتب ايضاً أنه في عام 1995، عقدت اتفاقية ما بين النظام الإيراني وشركة “كونوكو”، من أجل استخراج النفط في موقعين قبالة الساحل الإيراني، ويؤكد ان ذلك تم بموافقة الإدارتين الأميركية والإيرانية، لكن سرعان ما جمّدت جميع العلاقات التجارية وصفقة “كونوكو”، بعد ضغوط مارستها لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية ( إيباك) والكونغرس، فأصدر الرئيس كلينتون قراراً بالغاء كافة أشكال التجارة مع ايران.(ص: 262-263).

ويذكر تريتا واقعة ثانية حدثت بعد دخول الولايات المتحدة الأميركية الى أفغانستان، يوم شهدت العلاقة بين واشنطن وطهران تعاوناً لافتاً، ضد العدو المشترك “حركة طالبان”، وقد ترجم هذا التعاون من خلال مشاركة واشنطن وطهران في مؤتمر “بون” في المانيا في ديسمبر2001، الذي هدف الى وضع خطة لحكم أفغانستان بعد سقوط طالبان.

وقد أدى هذا التعاون إلى امتعاض الجانب الإسرائيلي لدرجة أن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، أريال شارون وصف تصرف جورج بوش الإبن كتصرف وزير خارجية بريطانيا نيفيل تشامبرلين الذي باع التشيكيين برفضه مواجهة أدولف هتلر، ما دفع بالمتحدث الإعلامي في البيت الأبيض آري فيشر الى القول أن “ملاحظات شارون غير مقبولة”.( 321-322).

بطبيعة الحال، لم ترحب تل أبيب بالتقارب الأميركي الإيراني، وفي ٣ يناير ٢٠٠٢ اعترض الإسرائيليون سفينة تحت إسم “كارين أيه” في البحر الحمر كانت محملة بصواريخ كاتيوشا، وقذائف، وألغام مضادة للدروع وأنواع أخرى من الأسلحة والمتفجرات.

وزعمت اسرائيل حينها، أنّ هذه الباخرة انطلقت من إيران لأجل تزويد ياسر عرفات بالأسلحة، فأجبر بوش الإبن، على خلفية هذه الحادثة على وقف التعاون مع الايرانيين.

يومها صرّح سفير إيران لدى الأمم المتحدة محمد جواد ظريف (وزير الخارجية الحالي) قائلاً: “من قام بذلك الفعل أراد منع حدوث أي تقارب أميركي إيراني”، وكان يغمز الى الدور الإسرائيلي في هذا الشأن (ص:326).

واليوم يكرر ظريف التصريح عينه في محادثات فيينا، ويقول بعبارات أوضح: “لن نقع في الفخ الإسرائيلي الذي نصب لنا، مع النجاح الذي يتحقق في مباحثات فيينا”.

أسرد هذه الحوادث للقول أنّه لا بد من الحذر الشديد في التعويل على المفاوضات التي تجري في فيينا،  لأن ما حصل في السنوات الماضية يمكن أن يتكرر اليوم، لا بل يتكرر اليوم.

وهذه الحوادث التاريخية، تعطي إشارات موثّقة عن أنّ فكرة العداوة المطلقة ما بين الدول هي فكرة غير واقعية، والمعلومات التي ذكرها تريتا تعطي دليلاً قاطعاً ان الشعارات الشعبوية التي نسمعها من حين الى آخر هي ليست الا جعجعة بلا طحين.

وضمن هذا السياق، وفي متابعة لزيارة وزير الدفاع الأميركي الى إسرائيل، وهو أول وزير يزورها من إدارة الرئيس جو بايدن، كان لافتاً غياب أي ذكر لإيران في كلمته، فهو تكلم في العموميات فقط، وذكرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هدف الزيارة هو طلب واشنطن من إسرائيل عدم إتخاذ أي عمليات عدائية ضد إيران ممكن أن تؤثر على المباحثات الجارية حالياً.

ولكن هل سوف تلتزم اسرائيل؟ أم أننا أمام مشهد مماثل لما ذكرناه في أعوام  1994، 1995، و2002؟  الأيام المقبلة كفيلة بأن تعطينا الجواب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى