عندما يتحوّل حزب الله الى “شيخ صُلْح”

لبنان عربي – جواد العلي
في احتفال إطلاق عمل الماكينة الانتخابية لحزب الله في دائرة الجنوب الأولى، سخِر نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم من التفسخّات والانقسامات التي ضربت فريق معارضي حزبه قائلاً: “فلول 14 آذار تفرّقوا بشكل عجيب في هذه الانتخابات ومشكلتهم كبيرة، وهذا يشير الى الخلل في المشروع الذي حملوه، وحزب الله بات حزب الوطن، ونحن واثقون من خيارات الناس والبقاء للبنان الوطن”.
بيد أنّ الخلافات والانقسامات ليست قاصرة فقط على فريق 14 آذار، بل تشمل أيضاً فريق 8 آذار، والذي لولا حزب الله لكان حاله أصعب بكثير من حال من سخِر منهم الشيخ قاسم، ولكانت بعض القوى المنضوية في عداده قد أصبحت نسياً منسيّاً.
“أبو ملحم” أو “شيخ الصُّلْح”
لا ريْب أنّ حزب الله هو الأكثر جهوزية واستعداداً للانتخابات النيابية، لكنّه واجه، ولا يزال، مشاكل جمة بين حلفائه. ولأنّ الحزب ليس لديه الكثير من العمل الانتخابي في الدوائر التي يوجد فيها مرشّحين شيعة، حيث حُسمت المعركة قبل أن تبدأ، فهو وضع نُصب عينيه هدفاً أعلن عنه أمينه العام بنفسه، ألا وهو إنجاح الحلفاء. لذا فإنّ معيار الانتصار لدى حزب الله هو نجاح الحلفاء في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد.
ولتحقيق هذه الغاية يقوم حزب الله منذ أشهر بدور “أبو ملحم” الشخصية التلفزيونية الأسطورية ورجل التسويات الهادئة، أو “شيخ الصُّلْح” بين حلفائه، بهدف تذليل العقبات التي تعترض جمعهم في لوائح موحدة، وهو هدف دونه عقبات كثيرة لم ينجح حزب الله في حلّها أو طيّها أو تجاوزها، ما جعله يقوم بترتيب حلفائه، حيث تأتي حركة أمل أولاً على الساحة الشيعية، في حين أنّ التيار الوطني الحر له الأولوية في باقي الدوائر وبعده باقي الحلفاء.
نحمي ونبني..للتيّار الوطني الحر
عمليّاً يخوض حزب الله المعركة الانتخابية للتيار الوطني الحر، بهدف تمكين الأخير من الحصول على العدد الأكبر من المقاعد المسيحية. وقد سخّر الحزب إمكانياته الضخمة لبلوغ هذه الغاية، ومنها وضع إعلامه الخاص، والذي يدور في فلكه، في خدمة الحملات العونية التي لا تنتهي.
كما قام حزب الله بدور “شيخ الصُّلْح” بين التيار العوني وحركة أمل، مستخدماً كلّ طاقاته لتذليل الخلافات بينهما، إلّا أنّه ما نجح سوى في إبرام إتّفاق انتخابي هشّ بين الإثنين لا يشمل كل الدوائر الانتخابية المشتركة، ولم يُفلح في إيقاف العداوة والبغضاء بين كلا الحليفيْن، واللتان تطفوان على سطح تصريحات مرشّحهيما، ومن ذلك قول المرشّحة العونية الاستثنائية ندى بستاني في حديث لإحدى الصحف أنّه لا تحالف بين أمل والتيار العوني.
في حين أنّ “شيخ الصُّلْح” أخفق في إبرام إتّفاق انتخابي مماثل بين التيار العوني والمردة، وعندما حاول حزب الله استمالة أحد المرشّحين في الشمال الثالثة للإنضمام إلى اللائحة البرتقالية، ردّ فرنجية بالتهديد بالتحالف مع القوات، قاطعاً الطريق أمام أيّ تحالف ممكن بين الفريقيْن.
الأحزاب الموالية لدمشق
وأيضاً قام حزب الله بدور “شيخ الصُّلْح” لحلّ الخلافات العميقة التي تعصف بالأحزاب الموالية لسوريا. فقد حاول الحزب كثيراً حلّ الأزمة التي ضربت الحزب القومي، وجعلت البيت القومي بيتيْن، دون تسجيل أيّ نجاح يُذكر، ما خلا عدم ترشيح الحزب القومي فرع ربيع بنات لشخصية قومية في مواجهة النائب أسعد حردان. في حين أنّ كلا البيتين رشّحا قوميّين سيتواجهون مع بعضهم البعض في عدد من الدوائر.
ومن جانب آخر، يواجه حزب الله معضلة ثلاثية الأبعاد في بعلبك – الهرمل غداة ترشّح الأمين العام السابق صاحب التاريخ البعثي العريق عاصم قانصو في مواجهة الأمين العام الجديد الإعلامي علي حجازي على مقعد هو أصلاً للنائب جميل السيد المرشّح أيضاً، ولم تفضِ وساطاته المضنية فيها الى أيّ نتيجة لأنّ كلمة الفصل هي لدمشق وليست له.
أضف الى أنّ ترشيحات حزب البعث في بعض الدوائر الانتخابية مثل عكار لم يتقبّلها الحلفاء معتبرين أنّها تتجاوز حجم الحزب التمثيلي في المنطقة، وهذا العامل معطوفاً على الشرخ القومي هو الذي يؤخر إعلان لائحة حلفاء حزب الله في الشمال الأولى.
الحلفاء السنّة
دخل حزب الله على خطّ الوساطة بين حلفائه السنّة للجمع بينهم في لوائح موحّدة، إلّا أنّ “شيخ الصُّلْح” أخفق في وساطته في العديد من الأمكنة. فالنائب الصيداوي أسامة سعد رفض التحالف معه بعد أن رفض قبل ذلك الإنضمام الى كتلة “اللقاء التشاوري”، مؤكّداً أنّه يؤيد حزب الله كمقاومة ضد إسرائيل فقط، ولن يتحالف معه في الانتخابات لأنّه يغطّي الفاسدين.
وفي البقاع الغربي، قام “شيخ الصُّلْح” بوساطات مُكثّفة استعمل فيها جميع أنواع الضغوط لجمع الحلفاء – الأعداء في لائحة واحدة، فكان له ما أراد بعد أنْ حصّل تنازلاً من كل طرف. فقد قبلت حركة أمل بأنْ تخوض الانتخابات هناك في لائحة تضمّ أيضاً مرشّحاً برتقالياً، وفي المقابل سحب التيار العوني الكارت الأحمر الذي أشهره بوجه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي. ولولا الهدف “السامي” لحزب الله في الدائرة والمتمثّل بإسقاط النائب وائل أبو فاعور ما أفلحت الوساطة.
أمّا في الشمال الثانية، فلا يزال حزب الله يقوم بوساطة بين النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد، وهو وإنْ نجح بجمعهما في لائحة واحدة، إلّا أنّه فشل في إقناع الصمد بالقبول بترشيح كمال الخير أحد أبرز أتباعه في الشمال.
وفي طرابلس، لم تنجح كلّ الوساطات والجهود التي قام بها حزب الله منذ أكثر من سنة ك”شيخ صُّلْح” لحلّ الخلافات التي ضربت حركة التوحيد الإسلامية بين الأخوة شعبان، وما كاد الشيخ بلال شعبان يعلن ترشّحه حتى أصدرت حركة التوحيد (أي أشقاؤه) بياناً تبرّأت فيه من ترشّحه.
وبالمجمل فإنّ حزب الله لم يكنْ ناجحاً كثيراً في دور “شيخ الصُّلْح”، حيث يبدو أنّه لا يجيد فنّ الوساطة الهادئ، فهو ما ألِفَ النّجاح في المفاوضات إلّا عبر الابتزاز، أو عندما يضع سلاحه على الطاولة. لكنّ النّجاح الذي أصابه مكّنه من الحفاظ على قدْرٍ من الوحدة الهشّة بين حلفائه كفيلة بمنحه الأكثريّة الكاسحة في مجلس النواب الجديد، وهنا بيت القصيد.