مهرجان للسينما العربية في القدس… تعزيزاً لهوية المدينة وكسراً للحصار

لبنان عربي – مطيعة الحلاق
على مدى 5 أيام، من 25 الى 29 آذار الماضي كانت قلوب الكثيرين في العالم العربي والمهتمين بالسينما ترحل كل يوم إلى مدينة القدس، التي شهدت اطلاق “مهرجان القدس للسينما العربية” بنسخته الأولى، بعد تأجيل متكرر فرضته إجراءات الحجر الصحي، وصعوبات لوجستية وتمويلية.
المهرجان من تنظيم “مؤسسة أرت لاب” التي تأسست عام 2015 في القدس، وهي مؤسسة مستقلة تهتم بالشؤون الثقافية سيما الإنتاجات البصرية.
أتاح المهرجان على مدى 5 أيام، فرصة لإيجاد مساحة للتبادل السينمائي بين الأشقاء العرب ولكل من يهتم بنقل وتوثيق قضايا الوطن العربي، إلى جانب تأمين فسحة من المتعة والمرح لمحبي السينما في القدس.
كما اهتم بالطاقات الواعدة والمواهب الفلسطينية والعربية، وكان مناسبة للاحتفاء بسينما الإنسان إعلاءً لقيم الحرية وحقوق الإنسان والتفاعل الواعي مع الواقع، ومع الموروث الثقافي والاجتماعي.

شاهين: تعزيز الهوية المقدسية
ترى مديرة المهرجان نيفين شاهين من القدس، في حديث لـ”لبنان عربي”، أنّ “المناسبة ليست مجرد حدث ثقافي، إنها مساهمة حثيثة لإحياء ملامح المدينة وإعادة الإعتبار إلى شخصيتها، مساهمة لفك قيود المدينة المحاصرة وعزلتها، وإضاءة فضائها، وإعادة التواصل، ومد الجسور بين القريب والبعيد”.
وتتابع: “إن مجرد تنظيم هذا المهرجان في مدينة القدس هو تعزيز لهويتنا العربية وتأكيد على هوية المدينة واستدعاء لتثبيت وجودنا، وكل نشاط ثقافي كان أو اجتماعي هو تعزيز لبقائنا بحد ذاته”، مضيفةً: “مكانة القدس الخاصة في وجدان كل عربي تبلورت بمشاركة الأخوة العرب في هذا المهرجان وإيمانهم برسالة عربية تنطلق من القدس كمنصة للتفاعل مع التجارب السينمائية العربية وأداة لانفكاك عزلة القدس عن محيطها العربي”.
المقاومة الثقافية وهوية القدس
وتترافق مع المهرجان، فعاليات ثقافية متنوعة من ندوات وورش عمل متخصصة للشباب العاملين في صناعة الأفلام، إلى معرض صور للجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي أحد الداعمين والشركاء الأساسيين، تهدف الى “تسليط الضوء على بعض قصص الفلسطينيين خلال جائحة كورونا بالإضافة إلى كونهم ضحايا للنزاع، ولإظهار دور اللجنة في التخفيف من معاناتهم”، على حد قول إلس ديبوف مديرة البعثة الدولية للصليب الأحمر في الضفة الغربية والقدس.
وبالإضافة الى ذلك، يشمل المهرجان زيارات وجولات سياحية في المدينة القديمة للقدس الشرقية، حيث حرصت اللجنة المنظمة للمهرجان على تنسيقها لضيوفها الذين قصدوا المدينة من مختلف أنحاء فلسطين، مما يعزز روح المقاومة الثقافية التي هي وجه من وجوه المقاومة وأداة أساسية من أدواتها التي لطالما عملت سلطات الإحتلال على قمعها وإخفاء صوتها وطمس تأثيراتها.

من هنا، فإن قاعات ومراكز ثقافية متنوعة في مختلف أحياء المدينة شهدت عروض الأفلام لتكون بين المقدسيين المهتمين ومحبي السينما وصناع الأفلام، وهي عروضات مجانية ليتمكن الجميع من حضور الأفلام خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
تقول شاهين: “بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتنا سواء فيما يتعلق بالتمويل أو بالتواصل مع فريق العمل إلا أننا استطعنا تنظيم المهرجان والمضي في فعالياته المرافقة آخذين بعين الاعتبار النسيج الثقافي والاجتماعي للمدينة وتشجيعاً للحياة الاقتصادية فيها”.

خلاط: الفيلم العربي هو الهدف
وفي هذا السياق يؤكد المدير الفني للمهرجان الياس خلاط، لـ”لبنان عربي”، أنّ “المهرجان تمكن من إيجاد أواصر التواصل بين القدس والعالم العربي”.
وعن خلفية المهرجان يقول: “الفكرة كانت مدار بحث منذ سنة ونصف بيننا وبين الصديقة نيفين، التي كانت تحمل هم إنشاء مبادرة ثقافية مميزة في مدينة القدس لنتمكن من إيجاد أواصر التواصل ولو افتراضياً بين القدس والعالم العربي، وكان لب الموضوع والهدف الأساسي يتمثل بإدخال الأفلام العربية إلى القدس الشرقية، بهدف تعزيز ثقافة البقاء والصمود والإنتماء العربي في المدينة، في ظل شح الأفلام العربية في القسم الشرقي منها وحرمان أبنائها من هذه النافذة الثقافية المهمة”.
ويضيف خلاط: “من هنا بدأنا بوضع الهيكلية العامة للمهرجان وتحديد فئات الأفلام المتنافسة وعضوية لجان التحكيم والجوائز الخاصة بها”.
ثلاث فئات للأفلام وأعضاء لجان تحكيم من العالم العربي
وتجد الإشارة الى أن المهرجان وإن كان افتراضياً بجزء كبير منه، إلا أن المشاركة فيه امتدت عربياً ودولياً سواءً على صعيد الأفلام المشاركة أو على صعيد أعضاء لجان التحكيم، الذين توزعوا على مختلف الاختصاصات المتعلقة بصناعة السينما من مخرجين ومنتجين ومنظمي مهرجانات ونقاد وإعلاميين من رواد العالم العربي في ميدان صناعة الأفلام.
21 فيلماً متنافساً في المسابقة الرسمية للمهرجان توزعوا على فئات ثلاث: الفيلم الروائي الطويل، الفيلم الوثائقي الطويل والفيلم القصير. ومنحت جائزة واحدة لكل فئة فيما حصل بعض الأفلام على جائزة لجنة التحكيم أو تنويه خاص منها.

حضور لبناني لافت
الحضور اللبناني في انطلاقة مهرجان القدس للسينما العربية كان لافتاً، من الإدارة الفنية مع إلياس خلاط وهو مؤسس ومدير مهرجان طرابلس للأفلام الذي انطلق في العام 2014، إلى عضوية لجان التحكيم، إلى مشاركة العديد من الأفلام اللبنانية سواء في المسابقة أو في العروض من خارج المنافسة حيث حصد فيلم “تحت التحت” للمخرجة اللبنانية سارة قصقص على جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل.
زكاك: رؤية جديدة للسينما الوثائقية
وفي هذا الإطار، أكد المخرج اللبناني ورئيس لجنة تجكيم الإفلام الوثائقية الطويلة في مهرجان القدس للسينما العربية، هادي زكاك في حديث مع “لبنان عربي”، على أهمية إقامة المهرجان في القدس في هذا التوقيت، قائلاً: “في ظل الظروف التي نعيشها خاصة فيما يتعلق بالمنطقة والتطبيع وكأن الموضوع الفلسطيني أصبح وراءنا ولم يعد أولوية وأنه علينا أن نتأقلم مع الفساد ومع الاحتلال والهزائم، لذلك فإن إقامة مهرجان متخصص داخل القدس أمر مهم ليكون نافذة للسينما العربية من القدس إلى العالم العربي ومن العالم العربي نحو القدس”.

وعن الأفلام المشاركة يقول زكاك: “كانت أفلام مميزة من مختلف أنحاء العالم العربي، وبالرغم من أنها تتناول أموراً قد تكون محلية منها ما يتعلق باللاجئين السوريين أو الأوضاع الخاصة باللبنانيين أو ما كان منها نافذة على التاريخ في لبنان وعلى معاناة الشتات الفلسطيني بين الداخل والخارج واشكاليات هذا الشتات والمعاناة المتعلقة به، بالإضافة الى أفلام أخرى مثيرة للإهتمام تحمل رؤيا جديدة ومميزة، الا انّ ذلك جعل المنافسة قوية بين الأفلام الوثائقية الطويلة المتنافسة تعكس مسيرة السينما الوثائقية ومدى غناها بالمضمون والشكل”.

دكاش: إغناء للمعارف والتجارب الانسانية
وشاركت اللبنانية زينة دكاش، وهي مخرجة أفلام وثائقية ومعالجة بالدارما وعضو لجنة تحكيم في مهرجان القدس للسينما العربية، “لبنان عربي” بشعورها، قائلةً: “لقد مسني عميقاً وتحمست كثيراً للمشاركة في النسخة الأولى لمهرجان القدس وكأنني زرت المدينة المقدسة المحرّمة علينا”.
وتضيف دكاش: “يسعدني من خلال مشاركتي الإطلاع على الأفلام وتوسيع آفاقي في مقاربة وجهات نظر وزوايا رؤيوية متنوعة تغني المعارف والتجارب الإنسانية في مجال الأفلام الوثائقية”.
وهي تنظر بأهمية بالغة إلى نوعية الأفلام المشاركة وتختم “الأفلام المتنافسة كانت مميزة وجدالية وكنا نأمل أن يفسح المجال لجوائز أكثر، تشجيعاً للمواهب المشاركة من كل الوطن العربي”.
شاهين: نحلم بالمستقبل
وتحلم شاهين أن “تتوسع الفعاليات في المستقبل، وتطال خارج المدينة، وأن تكون لجان التحكيم متواجدة معنا، بالإضافة الى العديد من النقاد السينمائيين والمخرجين وسواهم في القدس”.