رأي

‎عن “٢٥ يناير” ملهمة “١٧ تشرين”

‎لبنان عربي – صهيب جوهر

عندما خرجنا نحن معشر اللبنانيين مساء الخميس في ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، كانت هتافات ثورة الشعب المصري ترن في آذاننا كأننا في الميدان المصري الكبير، والذي شكل لنا الحلم، حتى باللكنة المصرية الشعبية “الشعب يريد اسقاط النظام” كشعار عاطفي يلامس قلوبنا المحبطة بعد سنوات عجاف من القهر والعجز والمهانة.

 كانت بيروت تلك الليلة تشتم حكم الأوليغارشيا الشبيهة بحكم مبارك وحاشيته، فالشعب في لبنان كفر بالزعيم وبصواريخ الأحزاب وبفسادها العابر للطوائف والمذاهب .

ذاقت بيروت ومعها طرابلس وكل شبر لبناني الويلات من حكم البعث وأساليب نظام الأسد، التي جثمت على صدور الشعب أكثر من ثلاثة عقود دون رحمة، تارة تحكم بالقصف واحتلال المدن وارتكاب المجازر، وتارة أخرى عبر تعيين النواب والوزراء ومصادرة ثروات البلاد من القمح والفواكه والبنزين.

لقد أدركنا نحن اللبنانيين خطر حكم البندقية مع تسويات تطيح بأحلام بناء دولة إنسانية قبل أي شيء آخر، انتفضنا كما انتفضت شرائح المجتمع المصري: فقراء وفلاحون، سائقو الأجرة مع طلاب المدارس، موظفو القطاعي العام والخاص، علمانيون وإسلاميون وليبراليون وحتى بلا هوية، أبناء القرى والمدن والعشائر، لم تحركنا ماكينات الزعيم الإنتخابية ولا خطابات الخوف على مستقبل الطائفة والمذهب، ولم ننجر نحو الصدام مع جماهير الغوغاء الحزبيين المأدلجين الخاضعين لمفهوم التبعية العمياء .

 حركنا شيء واحد “وقاحة السلطة مع فسادها”، تماماً كما خرجت القاهرة والإسكندرية والصعيد، كانت سلطة النفايات اللبنانية تدرك أن الإنهيار المالي آت بلا محالة، لكنها كانت تتحضر لتتويج جبران باسيل حاكماً على لبنان مدعوما بمصالح حزب الله في الإبقاء على حليف مسيحي يغطي مغامراته في الخارج، وخطاب أقلوي بغيض كان يستخدمه معجزة الخارجية لمضاعفة حضوره وطموحاته التي لا تنتهي، كذلك فعل حسني مبارك، كانت بلاده تعج بالفقر والفساد والتعذيب وغياب الشفافية والرقابة وكان الرجل مشغولاً بتحضير نجله لخلافة إرث النموذج المصري في الحكم المستبد، ما أشبه جبران بجمال، لا تحركهم سوى عقلية الإستحواذ على كل شيء .

 أغرق باسيل البلاد في استدعاءات طالت أي ناشط وصحفي كان ينتقد البلاط السلطاني العوني وولي عهده ومستشاريه ومتعهدي مشاريعه البائسة، وكانت مراكز الشرطة والإستخبارات المدنية والعسكرية لا تتوقف عن توقيف أهل الرأي المعارض لعهد يأكل الأخضر واليابس دون استكانة، كما فعل أمن الدولة المصرية وجهاز شرطتها مع الرافضين لمبدأ التوريث وإخضاع البلاد لعقود جديدة مع حكم العائلة المقدسة المعصومة عن النقد البعيدة عن المجهر .

 وفي ظل غرق الشعب اللبناني في الديون وإغلاق الشركات وطرد العاملين والموظفين كانت مافيا الحكم في بيروت تتنعم بأموال اقترفتها من جيوب الناس دون خوف من مساءلة ومحاكمة، وقاحتهم وصلت لشراء عقارات وطيارات خاصة، لتأسيس شركات تستحوذ على مناقصات الدولة في الكهرباء والماء والسدود والنفايات والأسواق والمصارف، يتقاسمون معنا حتى الرغيف الذي بات حلم الأسر المطحونة، تماماً كما كانت تفعل عصابات الحكم في مصر المحروسة دون هوادة ولا تفكير بعواقب .

‎ثورتنا تشبه دون شك ثورة ميدان التحرير، خيم النقاش والحوار المستمرة لم تهدأ في بيروت وطرابلس لتجمع أصحاب الأيديولوجيات المختلفة تحت سقف الخيمة المبللة من الشتاء، والمهتزة من رياح العاصفة، كأنها جنبات ميدان التحرير، ما أشبه اليوم بالبارحة يا بيروت.. وما الشباب الهادر في كل زاوية إلا امتداد فعلي لذاك الشباب المعذب في الكنانة.

‎لقد شتم الشباب اللبناني هيبة رجالات السياسة وحطم صورتهم المعنوية وأعلن أن لا قداسة بعد اليوم لأحد وأن الشرطة والجيش والأمن ومكافحة الشغب هم خدمة الشعب والمسؤولين عن حمايته لأن الشعب مصدر السلطات، وأن حماية اللصوص والمارقين والقتلة خيانة ليس بعدها خيانة .

 كأني أرى موقعة الجمل في بيروت، حيث عصابات أحزاب شمولية تزحف نحو التظاهرات وتعتدي على الثوار وتمعن في ضرب النساء وتحرق خيم الحوار أرهبت السلطة قبل أي شيء آخر، فهذه المافيا تخاف الحوار بين اللبنانيين كما كانت تخاف سلطة الأمر الواقع المصرية، وأن يتحد اليساري والعلماني والمحافظ في مواجهة تكالب وجشع حكم مبارك ومن يخلفه.

 استذكر يا بيروت قمع الشرطة والأمن للتحركات في الإسكندرية كما فعلت مكافحة الشغب وشرطة مجلس برلمان السلطة مع الجموع الغاضبة من محاصصة وقحة لم تعر اهتماماً لشعب انتفض ١٠٠ يوم على توزيع المغانم بينهم .

‎سيستذكر اللبنانيون وهم ينتفضون في جولتهم القادمة حتماً، أدوات الثورة المضادة ولصوص الثورات من تجربة المصريين الذين يدفعون ثمن عدم استكمال ثورتهم إلى نهايتها، سيرفضون حلولاً موضعية وحكومة عسكرية وهدنة مع السلطة وتسوية مع رموزها، وسيقفون في وجه تدخلات أميركية ومبادرات روسية وتهديدات إيرانية وأموال سعودية إماراتية، وهم يستحضرون ثورة أشقاء لهم في القاهرة ، لأن ثورة ٢٥ من يناير تلهم جموع ١٧ تشرين .

‎وبالمناسبة لقد شتم ثوار بيروت وطرابلس حكم السيسي ولعنوا حكم العسكر وأعلنوا أنهم يكرهون حكم المنشار وأموال دول الثورات المضادة …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى