الرئيسيةرأي

“الخربوطلي” كـ”المطر”… تكرار السقوط الأخلاقي

لبنان عربي _ محليات

يتفق الجميع في طرابلس ان ما كانت تتغنى به من علم وعلماء وأدب وآداب، ومواقف رجال ودينمية مجتمعية، وتأييد للقضايا القومية والعربية والاسلامية، صار أثراً بعد عين.

لم تعد المدينة هي المدينة، ولم يعد أهلها هم أهلها، عوامل عدة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي دفعت بالمدينة الى مصاف المدن التي تعيش على هامش الحركة السياسية والمجتمعية، بعد تدمير كل مقوماتها الاقتصادية معنوياً ومادياً.

الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأحداث الأمنية، التي شهدتها الفيحاء أوجدت داخلها شرخاً عميقاً بين واقعها الفوضوي وبين تاريخها المشرق، وحال دونها ودون تحقيق مستقبل مضيء لسكان “أوادم” ضاقوا ذرعاً بممارسات الزعران والشبيحة، والرأسماليين الجدد، ورجال السياسة والأمن، فتركوا المدينة هرباً وخوفاً، وتخلوا عن دورهم لأن الزمان ليس زمانهم، وتراجعوا الى الخلف لأنهم لم يجدوا في تقدمهم ما من شأنه ان يحدث تغييراً ولو بسيطاً في الواقع المأساوي المعاش.

شبيح يختصر شارعاً فيؤسس لذهنية تطمس مكارم الأخلاق، يعربد بحكم الأمر الواقع ويبسط نفوذه المستمد من رجل سياسة أو أمن، على مواطن وادع كل ذنبه انه اختار الحياة بكرامة.

رأسمالي يشتري ذمم الناس، الذين دارت بهم الأيام، تخلت عنهم الدولة، لكنهم لا يمكنهم ان يتخلوا عن اطعام أبنائهم، فقدموا اطعام البطون على اطعام العقول، ففسد المجتمع أي فساد، وبات كل منهم يُعرف بحجم تنقلاته بين السياسيين، وبسعره الذي سعّره له هذا صاحب المال الأخضر، الذي يسأل عن سعر الناس لا عن كرامتهم ولا حاجاتهم، ويرى فيهم وقودا لمشروعه المشبوه، كلما دفع لهم أكثر، كلما أوقدوا النار في مشروعه أكثر، دون ادراك منهم لماهية هذا المشروع، ولخطورة ما يوقدونه على مصائرهم، دفعتهم الحاجة والفاقة والشجع والطمع، الى السؤال عن المال والتصفيق لصاحبه أيا كان صاحبه وأيا كان مصدر هذا المال.

ماذا فعلت طرابلس لتعاقب بهكذا نوع من الناس. وبهكذا متقدمي مجتمع يظهرون بلباس مودرن ويتعاطون مع الطرابلسيين كالعبيد، وماذا يختلف الشبيح الذي يسيطر على الشارع او المنطقة وهو يوزع كراتين المونة على أزلامه والقبضايات الذين معه، عن أولئك الذين يأتون من خلف البحار ويفعلون كل ما يفعله الأزعر لكنهم يختلفون عنه بلسان أفصح وعقل أجوف وربطة عنق؟!!!

ويذكر ان طرابلس في تاريخها شهدت العديد من بروز ما كان يعرف بـ”فتواة الأحياء”، لكن هؤلاء كانوا على قدر من النخوة والرجولة، واليوم باتوا أصحاب بسطات عشوائية ورصاص طائش، وعصابات سرقة وقتل وترويع.

ويذكر أيضاً انها شهدت بروز رجال أعمال في أواسط التسعينيات قدموا لها شيئاً ولو نذيراً من الخدمات، لكنها لم يسبق ان شهدت من يتعاطى مع ناسها بهذا الاستخفاف والوقاحة مستغلاً حاجة الناس، الذين بدورهم أفسدتهم الظروف فباتوا يميلون لكل من يلوّح لهم بماله كل الميل.

وجديد هؤلاء، الخربوطلي، الذي هبط بالباراشوت كالمطر السابق على أحياء المدينة، وراح يوزع عنا ويقيم دورة رياضية هناك، واذا حاججه أحدهم أو سأله او عاتبه، انتفض وشتم واستهزأ، لكأنه أجاز لنفسه بما تمتلك جيبه من مال، ان يتنمّر على الناس الذين يريدهم ان يصوتوا له في غداً في الانتخابات، وهم لا حول لهم ولاقوة.

فذاك أسقطته أخلاقياً ربطة الخبز، وفاز بحقائب دولاراته انتخابياً، وهذا يعيد الكرة ثانية، ومن المتوقع ان يعوّض عن سقوطه الأخلاقي بمزيد من دفع الأموال لمواطنين ينتظرون بيع كرامتهم مقابل حاجة حقيقية، أو لقاء إشباع نزوة شخصية يسيّرها الطمع لا غير.

لك الله يا مدينة العلماء، العلم على الرف والناس بالصف بانتظار الدق على الدف، لتحديد السعر.

ويبقى الرهان، على القلة، التي مهما قلّ عددها فمصيرها ان تعود يوماً ما قوية، قادرة، متمكنة، هذه صيرورة المجتمعات… فاحجزوا يومئذ مقاعد لكم أيها النبلاء… أما أنتم أيها التجار فانتظروا مصيركم يوم البيع الأكبر، يوم لا شراء لكم ولا بيع، ستكسدون وبضاعتكم.. وان غداً لناظره قريب.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى