محليات

من المر الى الأمرّ منه.. التوريث السياسي مرض لبنان!

لبنان عربي – إبراهيم نشابة

 

التوريث السياسي في لبنان، تحول الى شريحة مُدمجة في عقول اللبنانيين، حيث لم يعد بالإمكان حتى طرح السؤال الإشكالي حول قبول المواطنين استبدال زعيم سياسي بولده أو زوجته أو شقيقه أو صهره، وكأننا نعيش في نظام ملكي وراثي حيث لكل ملك وليّ عهد.

هذه اللغة التوريثية باتت لغة شعبية في لبنان. فالمولود الأول بات يُسمّى وليّ العهد على سبيل الفكاهة والمزاح، إلّا أن التفكير الذكوري والتوريثي هو جزء لا يتجزأ من الثقافة المجتمعية اللبنانية.

من هنا، لا بد من مقاربة علمية سوسيولوجية نربط من خلالها مفهوم التوريث السياسي بالبنية الاجتماعية اللبنانية، وكيفية تشكل الجماعات المُفرزة طائفياً ومناطقياً من جهة، والعلاقة التي تربط هذا المفهوم بتشكّل العائلات اللبنانية الحاكمة من جهة ثانية، خاصة أن “الوراثة السياسية” شكّلت ركناً أساسياً في النظام السياسي، منذ ما قبل ولادة لبنان ككيان سياسي مستقل، عندما كانت البلاد تدار عبر العائلات الإقطاعية. ومن ثم انتقلت هذه الظاهرة إلى عائلات أخرى دخلت الحياة السياسية منتصف القرن الماضي، وما زالت تتوارث الزعامة حتى الآن.

إن الغاية من طرح هذا الموضوع، وبغض النظر عن القراءة السوسيو- تاريخية للتوريث السياسي، هي انخراط المواطنين في هذه اللعبة العائلية الطائفية التوريثية التي ساهمت بخراب لبنان منذ ولادته، وعمّقت الخلافات والأزمات، وأشعلت فتيل الحروب، وأدّت الى فتح ثقب أبدي في العقد الاجتماعي اللبناني، والى مقتل آلاف اللبنانيين، وتهجير مئات الآلاف باسم الزعيم، ووريث الزعيم، وباسم الطائفة، وأمراء الطائفة.

بالإضافة الى التقسيم المناطقي والعائلي، والحكم المُشرّع للعائلات التي أُعطيت سلطان القتل والتدمير والتهجير وقبض الخوات وفرض الضرائب.

إن تشريع حكم هذه العائلات، وتعزيز مفهوم التبعية لها، يُبْقيان على لبنان مجرد مزرعة لا قانون فيها إلا للأقوياء والمتمولين من أصحاب النفوذ والطبقات الاجتماعية العليا.

والأسوأ أن هذه العائلات تمتد جذورها في التبعية الى كل دول العالم، خاصة تلك الدول الوصية على لبنان وثرواته الطبيعية من المياه الى النفط الى الموقع الجغرافي، محولة إياه الى ممر طبيعي لأطماعها وتجارتها، ونشر أفكارها وتدريس لغتها وأيديولوجيتها في المدارس والجامعات، ما جعلها تتحكم بالعقول البشرية وتحركها كما تشاء.

هذه العائلات بانتماءاتها الطائفية المختلفة وبتبعيتها للدول بحسب الطائفة أو الغاية أو الهدف، حكمت، وما زالت تحكم لبنان بسلطتها المالية أو السياسية أو عبر سلطة علاقاتها الدولية، وتبيع وتشتري بشعبها كأنه مجموعة من الخراف التي تأكل وتشرب، ومن ثم تقدم نفسها قرباناً على مذبح الزعيم ووريثه.

وهنا بإمكاننا أن نطرح بعض التساؤلات ونحن على تخوم الاستحقاق الانتخابي: هل سيعود التوريث السياسي ليضرب بقوة ويحصد المقاعد الأهم في الانتخابات؟ وهل سيعيد الشعب اللبناني انتخاب من حوّله الى أفقر شعوب العالم وأكثرها حرماناً؟ وكيف سيتعامل الناس مع هؤلاء الزعماء وكل من يحكم باسمهم؟

يبقى أن نشير الى أن التغيير يحتاج الى عقول بيضاء، تنشأ على المبادىء الوطنية والإنتماء الى الوطن، وبالتالي قد نحتاج لسنوات وسنوات لكي نحذف من قاموس أفكارنا الطائفية والعائلية والطبقية ولغة الزعامة الفارغة من مضمون الزعامة الحقيقية التي قد تقود المجتمع الى النهضة والتغيير الإيجابي المترافق مع التطور والتقدم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى