كلمتا عون وميقاتي… إكثارٌ من الغمز وإقرارٌ بالعجز

لبنان عربي – مصطفى العويك
لم تخرج كلمة رئيس الجمهورية أول أمس عن المسار الذي رسمه الرئيس ميشال عون لنفسه، بإظهارها على أنّها غريبة عن السلطة السياسية الحاكمة، وأنّ العهد ليس عهده لناحية تحمّل مسؤولية ما جرى في البلاد، وأنّه السياسي الوحيد الذي يبحث عن الحلول اللازمة للأزمة المستفحلة، لكن الآخرين يمنعونه من تحقيق ذلك.
بدا عون في كلمته كمن يقدّم برنامجاً للترشّح، لا رئيساً للجمهورية شارفت ولايته على الانتهاء، ولاية شَهِدَ خلالها لبنان أكبر أزمة اقتصادية عرفها عبر تاريخه، كانت وراء هجرة مئات الآلاف من اللبنانيين الى الخارج بحثاً عن حياة أفضل.
كانت كلمته مُتخمة بالأسئلة التي يمتلك هو بالأخص الأجوبة عليها، وخالية من أي فعل سياسي، فهي لم تغادر مربّع الدعوات الى الحوار ببنود مكرّرة خلافية، في الوقت الذي يُنتظر من رئيس يتحضّر لمغادرة القصر الى تعداد إنجازاته والإشارة الى البصمة التي تركها والمشاريع التي نفذّها أو بدأ العمل بها.
دوّر عون الزوايا، وإن اضطّر في بعض العبارات والملفات أن يغمِز ويلمِز من قناة حركة “أمل”، وأن يحشر حلفاء له في الزاوية دون أن يخنقهم، إنّما من باب الزكزكة ليس إلا، ومن باب السعي الى تحصيل مكاسب أكثر منهم في القادم من الأيّام، تصبّ جُلّها في صالح صهره جبران باسيل، الذي يتحضّر هو الآخر الى إطلاق مواقف وصِفتْ بالتصعيدية مطلع السنة القادمة، لزوم الحشد الانتخابي وشدّ العصب الطائفي، وتحسين شروط التفاوض مع الحلفاء، ومساومتهم على بعض الملفات الدسمة.
لا جديد إطلاقاً لا في كلمة عون، ولا في كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي تحدّث بالأمس مؤكّداً هويّته السياسية: لا لون ولا مذاق، وسطٌ بين طرفين لنحتفظ لأنفسنا بكرسيّ على الطاولة، ومن ثمّ نتموضع في المكان الذي يؤمّن لنا الجلوس بين أصحاب القرار، في الوقت الذي لم يعد فيه لا بلد ولا طاولة ولا كراسي، وإنّما بعض من الدولارت في الإحتياطي، نبحث في كيفيّة تشريع سرقتها لصالح السلطة والمصارف بالتنسيق مع أهل الحلّ والعقد.
كلمتان مضبوطتان تحت سقف المايسترو اللبناني الأول والأكبر، يخرج عون قليلاً عن اللحن، لكنّه لا يمكنه إطلاقاً استبداله ونحن على مشارف انتخابات نيابية، ويحاول ميقاتي مطّ النوتة مُستنداً على رعاية فرنسية وأميركية، لكنّه في نهاية المطاف لا يمتلك القدرة على تقريش هذا المطّ في عَقْدِ جلسة لحكومته.
كلمتان تختصران عجز السلطة الحاكمة عن اتّخاذ المبادرات التي من شأنها أن تُضْفي طابعاً من الجدّية على عملها، وتدفعها لاستبدال متلازمة “ما خلّونا”، بمسارٍ جديدٍ عنوانه العريض: “نعم نستطيع لكن علينا أن نبادر”.
فهل من مبادرات جديدة يمكن أن تحملها كلمة السيد حسن نصر الله المنتظرة؟ وهو الذي يتولّى إدارة أوركسترا السلطة، ويحدّد ما إذا كان بالإمكان بثّ هذا اللحن لأنه “شرعي”، وعدم إذاعة اللحن الآخر لأن الموسيقى مُحرّمة في أدبيّاته؟
وهل ستحمِل كلمة النائب جبران باسيل مطلع العام المقبل، مفاجئات معيّنة لناحية التحالفات السياسية والنيابية؟ وتكون مُثْقلة بالقنابل المتفجرة بوجه الحلفاء قبل الخصوم؟ لنتتظر…