إشكاليات قانونية وخلفيات سياسية تحول دون مباشرة الكتاب العدل الجدد عملهم

لبنان عربي – مطيعة حلاق
صدر منذ ما يقارب العام عن رئاسة مجلس الوزراء، المرسوم رقم 6491 تاريخ الثاني من تموز 2020 القاضي بتعيين 16 “كاتب عدل” متدرج في 16 دائرة على امتداد الجغرافيا اللبنانية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
من يعرقل عدم التحاق هؤلاء بعملهم؟
لكن أيا من المعينين لم يباشر مهامه حتى الآن، والسبب في ذلك يعود “لضغوطات عديدة يمارسها مجلس كتّاب العدل في لبنان”، وفق ما يقول أحدهم لـ”لبنان عربي.”
وعن خلفية هذه الضغوطات يقول المصدر السابق: “يتمسّك المجلس بعدم زيادة أعداد الوافدين إلى المهنة متذرّعاً بشكليات متعلقة بمرسوم الإستحداث من أجل إبطاله وإبطال تعيين كتّاب العدل الـ16، غير آبهين بالأضرار الجسيمة اللاحقة بنا”.
ويتابع قائلا:” اضطررنا وفقاً للقانون، الى الإستقالة من وظائفنا سيما من نقابة المحامين، والبعض منا ترك وظيفته آملاً في بدء عمله قريباً كما فعلت إحدى الزميلات المعينات التي تركت وظيفتها وخسرت إقامتها حيث كانت تعمل خارج لبنان، لكن للأسف خسرنا عملنا القديم ولم نحصل على الجديد”.
ترفع المجموعة صاحبة الحق هذه، الصرخة منذ شهور عديدة، وقد نفذت اعتصاماً أمام قصر العدل في بيروت دعماً لوزارة العدل والقضاء لإنصافهم وإقرار حقوقهم المكتسبة، مطالبة المعنيين بتنفيذ المرسوم: “لأن تنفيذه ملزم، وبالعمل على وقف التدخلات من قبل مجلس كتّاب العدل الذي رفع كتاباً إلى وزارة العدل يبين بموجبه عدم الحاجة إلى زيادة مراكز كتّاب العدل”، ما اعتبرته المجموعة ضغطا واضحا يعق مباشرتهم العمل.
ويستند كتّاب العدل الـ16 في مطالباتهم إلى أن: “المادة الثالثة من قانون تنظيم مهنة كتّاب العدل أناطت بمجلس الوزراء صلاحية تحديد عدد كتّاب العدل وصلاحياتهم المناطقية، كما واستحداث وظائف كتّاب عدل في المناطق التي هي بحاجة لها”.
كما أن “المادة السادسة من القانون المذكور أولت وزير العدل صلاحية وضع نظام المباراة”، كما يقول أحدهم لـ”لبنان عربي”.
ويتابع: “إن سلطة مجلس الوزراء في تحديد الحاجة إلى الاستحداث هي سلطة تقديرية وليست مقيّدة سوى بمسألة الحاجة المناطقية، وآخر استحداث لمراكز كتّاب العدل جرى بتاريخ 30/6/2000 بموجب المرسوم رقم 3315، ومنذ ذلك التاريخ ازدادت المعاملات بسبب زيادة نسبة السكان ووجود اللاجئين السوريين وتطور السوق العقاري وزيادة العائدات والرسوم التي يتقاضاها كتّاب العدل”.
ويضيف:” لهذا بدأت الدولة مشروع استحداث مراكز جديدة في العام 2017 في المناطق التي يفوق عدد المعاملات فيها رقماً معيناً، كما أن الوزارة قد وجدت أن بعض كتّاب العدل يصادقون على ما يقارب الـ 40 ألف معاملة، فتدخلت لإضافة واستحداث مراكز لتسيير أمور العمل، علماً أن هذا الأمر قد خلق فرص عمل للحقوقيين”.
وزارة العدل تعلن عن حاجتها لكتاب عدل
وكانت وزارة العدل قد أعلنت في العام 2018 بموجب كتابها رقم 373/ تاريخ 28/2/2018 عن حاجتها لتعيين كتّاب عدل متدرجين في 56 مركزاً شاغراً عن طريق المباراة التي كانت أبرز شروطها أن يحصل المتباري على معدل 12/20 كحد أدنى لعلامة النجاح، وأن يختار المتباري 3 مراكز شاغرة حيث تجري المباراة على كل مركز منها بين المرشحين لهذا المركز.
وتضمّن الإعلان إقراراً من الوزارة بأن يحتفظ الناجحون من الفائض بحقهم في التعيين حسب ترتيب النجاح خلال السنتين اللتين تليا إعلان النتائج في المراكز التي سوف تشغر لاحقاً، وإن لم تقع ضمن اختياراتهم عند تقديم طلباتهم.
وإن صيغة الإعلان المذكورة هي نموذج يستنسخ سنة فسنة بحيث أن حفظ حق الناجحين في المباراة في التعيين ليس أمراً مقرراً لأول مرّة بل هو أمر استقرّت عليه كافة مباريات كتّاب العدل السابقة.
وقد أشرف على هذه المباراة لجنة مؤلفة من واحد وعشرين قاضياً مشهوداً لهم بنزاهتهم، وفقاً لمعايير وأسس موحدة، وبنتيجة المباراة نظمت اللجنة المذكورة محضراً رسمياً موقعاً من جميع القضاة الذين أشرفوا على المباراة أعلنت بموجبه بتاريخ 21/1/2019 عن نتيجة المباراة الخطية وعن ترتيب الناجحين والذي يشير بوضوح إلى نجاح 85 متبارٍ كما جرى نشر المحضر والجدول على الموقع الرسمي الإلكتروني لوزارة العدل تحت عنوان “المتبارين الفائزين”.
النتائج صدرت…مع وقف التنفيذ
وبعد مرور أكثر من سنة على صدور نتائج المباراة، أنجزت خلالها الوزارة كافة الإجراءات والتدابير المطلوبة لاستصدار مرسوم استحداث مراكز جديدة وتعديل وظائف كتّاب العدل، صدرت المراسيم الثلاثة التالية:
-
المرسوم رقم 6299 الرامي إلى استحداث 50 مركزاً جديداً لدوائر كتّاب العدل.
-
المرسوم رقم 6297 الرامي إلى تعيين 56 مرشحاً ناجحاً في المراكز المطلوبة وفق إعلان المباراة.
-
المرسوم رقم 6298 الرامي إلى تعيين ثلاثة عشر مرشحاً ناجحاً في المراكز التي شغرت بين تاريخ الإعلان عن المباراة وتاريخ التعيين.
وبعد انجاز هذه التعيينات بقي 16 مرشحاً ناجحاً وكانت وزارة العدل ملزمة وفق تعهدها الوارد في إعلان المباراة أن تعمد إلى تعيينهم في المراكز الشاغرة أو التي ستشغر، وبالفعل تمّ تعيينهم بموجب المرسوم رقم 6491 تاريخ 2/7/2020 في 16 مركزاً من المراكز المستحدثة والبالغ عددها 50 مركزاً.
وأبلغت الوزارة المعينين بضرورة الاستقالة من المهن والوظائف التي يشغلونها سابقاً، وصدر بعد ذلك القرار رقم 825 تاريخ 11/8/2020 الرامي إلى التحاق كتّاب العدل المتدرجين بدوائر كتاب العدل المحددة في متن القرار المذكور لإجراء دورة تدريبية لمدة ستة أشهر، وقد باشر هؤلاء الدورة التدريبية اعتبارا من تاريخ القرار المذكور.
لا مخالفات قانونية
ويقول أحد المعينين لـ”لبنان عربي”: “النص الذي تضمن وعدا بتعيين الفائض عدا عن كونه عرفاً لوروده في كافة قرارات الإعلان عن مباراة لتعيين كتّاب عدل، لقد ثبتته اللجنة القضائية المشرفة على الامتحانات، ومن المعلوم أن الوعد الذي يصدر عن السلطة الإدارية ملزم لها”.
ويرى أنه: “لا مخالفة للمادة 50 بفقرتيها 1 و8 من قانون كتّاب العدل حيث حاول المشككون بصحة التعيين التذرع بأن هذا التعيين قد استند إلى المرسوم رقم 6299 المتعلق بتعديل واستحداث وظائف كتّاب عدل دون الرجوع إلى رأي مكتب مجلس كتّاب العدل كما تنصّ الفقرة 8 من المادة 50 التي منحت مجلس كتّاب العدل الحق بأن يبدي الرأي حول إنشاء دوائر جديدة لكتاب العدل أو إلغاء دوائر قائمة أو نقلها.” ويضيف بأن هذا الأمر غير صحيح أيضاً لسببين:
الأول: “أن بناءات المرسوم رقم 6299 تاريخ 27/4/2020 واضحة لناحية أنه مبني على كتاب مجلس كتّاب العدل في لبنان رقم 5/2019 تاريخ 16/4/2020، ما يعني أن وزارة العدل قد إطلعت على رأي مجلس كتّاب العدل، وتكون الإدارة قد راعت شرط استطلاع رأي مجلس كتّاب العدل”.
أما الثاني يتمثل بكون “مجلس كتّاب العدل وجّه كتاباً إلى وزارة العدل ويبين بموجبه عدم الحاجة إلى زيادة مراكز كتّاب العدل، فهذا الكتاب دليل حاسم على إبداء مجلس كتاب العدل رأيه من زيادة واستحداث مراكز كتّاب العدل”.
هذا ويستمر السجل القانوني والإداري بين الأطراف المعنية من وزارة العدل وكتّاب العدل الـ16 الى مجلس كتّاب العدل، وصولاً الى مجلس شورى الدولة حيث كان مجلس كتاب العدل قد تقدم بطعن الى مجلس شورى الدولة لإبطال قرار وزارة العدل بتعيين كتّاب العدل بناء على امتحان وليس على مباراة.
يجب إغلاق بعض الدوائر العدلية؟!
وقال أحد كتاب العدل لـ”لبنان عربي”: ليس لدينا اي مشكلة مع الكتاب المتدرجين أو المعينين، لكن المشكلة هي مع وزراة العدل لأنها اصدرت قراراً مخالفا للقانون، وقد سبق لنا أن أبطلنا في العام 2014، تعيين كتاب عدل لمخالفته القوانين الناظمة”. ويضيف: ” نبدي رأياً وحججاً قانونية نبني عليها الطعن، نتناول فيه موضوع الفائض وفائض الفائض في أعداد الناجحين من كتاب العدل ومخالفة القانون في تعيينهم، وإننا في ظل الظروف والأزمات التي يمر بها لبنان على كل الصعد نجد أنه من غير المجدي استحداث دوائر جديدة لكتّاب العدل في لبنان، خاصة وأن الدراسة التي بنيت على اساسها الحاجة لكتاب عدل جدد كانت قد أجريت في العام 2017 حيث كانت الأوضاع أفضل بكثير سيما على الصعيد الإقتصادي”.
ويضيف كاتب العدل الذي رفض ذكر اسمه: “إن وزارة العدل ملزمة بأخذ رأي مجلس كتّاب العدل، رغم أن هذا الرأي غير ملزم للوزارة وهذا ما لم تفعله الوزارة، فتقدمنا بالطعن الى مجلس شورى الدولة الذي أوقف تنفيذ قرار الوزارة لحين البت بالطعن”.
وختم قائلاّ: “الحسابات السيسية ليست بعيدة عن هذا الأمر لكن الأوضاع لا تحتمل المزيد من التشتيت والضغوطات، وأذكر أنه في بعض المناطق هناك ضرورة لإغلاق بعض الدوائر العدلية، ونحن في النهاية نطلب بأن يأخذ القانون مجراه ولا نقوم بأي كيدية او استهداف لأي من الأسماء الواردة في مرسوم التعيين”