لبنان عربي – مصطفى العويك
في خطابه الرابع بعد اغتيال السيد حسن نصرالله والثاني بعد تعيينه أمينا عاما لحزب الله، تحدث الشيخ نعيم قاسم عن مسار المفاوضات مع العدو الاسرائيلي التي يتولاها الرئيس نبيه بري مع آموس هوكشتين، وحدد النقاط التي لا يمكن لحزب الله تجاوزها: “وقف العدوان بشكل كامل وشامل وحفظ السيادة اللبنانية أي لا يحق للعدو أن ينتهك ويقتل ويدخل ساعة يشاء تحت عناوين مختلفة”.
واذ أكد قاسم على جهوزية الحزب ميدانيا لقتال يدوم طويلاً، أكد ان الميدان لا زال في متناول أيدي “المجاهدين”، الذين حدد وظيفتهم القتالية بقوله: “لا يمنعون جيشا (الجيش الاسرائيلي) من التقدم بل يقاتلون الجيش حيث تقدم”، مشيرا بالوقت عينه الى الخسائر التي يكبدها الحزب لجيش الاحتلال الاسرائيلي، وقدرته على الاستمرار في اطلاق الصواريخ التي طالت وستطال تل أبيب كرد على استهداف العدو لبيروت العاصمة.
وبعيدا عن شكليات الاطلالة، والكلام عن مسار المفاوضات وموقف الحزب منها، أعطى الشيخ نعيم إشارة الى وظيفة حزب الله الجديدة بعد انتهاء الحرب بقوله: “بعد وقف العدوان، سنعمل معاً بالتعاون مع الدول والشرفاء من أجل إعادة الإعمار، ليعود لبنان أجمل وأفضل، وسنقدم مساهمتنا الفعالة لانتخاب رئيس للجمهورية من خلال مجلس النواب، وستكون خطواتنا السياسية تحت سقف اتفاق الطائف، بالتعاون مع القوى السياسية، كما سنكون حاضرين في الميدان السياسي لمصلحة الوطن لنبني ونحمي في آن معاً”.
ولعل هذه الاشارة الى اتفاق الطائف، هي أهم ما في خطب قاسم الأربعة، فهو كلام المدرك للواقع المستجد الذي طرأ على طبيعة دور حزب الله في الداخل والاقليم بعد تلقيه للضربات القاسية التي قسمت ظهره وادخلته في حالة ارباك كبيرة باعتراف قاسم نفسه.
وهو كلام يمهد لنزول الحزب عن الشجرة التي اعتلاها لسنوات طويلة في الداخل، وراح يكابر ويستعلي ويقتل ويفرض في الداخل سياسته الخاصة ومشروعه السياسي المستند على عقيدة دينية فلسفتها الموت في سبيل الولي الفقيه، وافتعال الحروب لأجله وممارسة القتل والاغتيالات لأجل ان يرضى ولي النعمة الايراني عنه، ولو كان كل ذلك بطبيعة الحال على حساب لبنان واستقراره وسيادته..
وللتذكير فان الطائف الذي جعله قاسم سقفاً سياسيا له بعد العدوان، ينص بشكل صريح وواضح على حل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتجريدها من السلاح، كما يضع اطارا وطنيا لتحرير الأرض ومواجهة العدوان الاسرائيلي، ويعزز دور الجيش في الجنوب لناحية الانتشار ويمنحه منفردا صلاحيات مواجهة اي اعتداء اسرائيلي على ارضه..
كما يتحدث عن تطبيق القرارات الدولية المعنية، وطبعا يندرج ضمنها حديثا القرار الأممي 1701، الذي يتظلل ببنوده اتفاق الطائف ويجعله منطلقا جوهريا له، وايضا القرار 1559، الذي يدعو لنزع السلاح غير الشرعي، وبسط الدولة اللبنانية سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية من دون استثناء.
بمعنى آخر، احتاج حزب الله أن يضحّي بكل قيادات الصف الأول تقريبا وعلى رأسهم السيد نصر الله، وان يطيح بجهود سنوات طويلة من البناء والتدريب والتوظيف، ليعترف باتفاق الطائف ويقر به كسقف لعمله السياسي، متخليا بذلك عن احلامه الكبرى داخليا وخارجيا، ومتنازلا عن المثالثة التي لطالما لوّح بها.
وهذا الاستدراك المتأخر من المستحسن ان يستوعب وطنيا من قبل القوى السياسية المعارضة للحزب، على اعتبار ان الحزب وجمهوره شئنا أم أبينا، هما مكون لبناني أصيل، على ان يتبع هذا الاقرار بمرجعية الطائف، التأكيد على ان ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة يجب ان تطوى صفحتها لصالح الدولة ومؤسساتها، التي وحده تشكل ملاذ اللبنانيين جميعا.