عون لنادي رؤساء الحكومة: يضحك كثيراً من يضحك أخيراً
لبنان عربي – سامر زريق
تشكلت الحكومة وحقق ميشال عون مبتغاه، هو الوحيد الذي يجب تهنأته، فقد تحدى الجميع وخرج منتصراً. دعكم من كل الكلام المنمّق والتبريرات الكاذبة، أثبت عون أنه الرئيس القوي، واجه ضغوطات دولية ومطالعات دستورية ومطولات سياسية، لكنها كلها لم تجعله يتزحزح قيد أُنْملة عما يريد.
صبر وكابر حتى جعل الجميع يأتونه صاغرين. أذلَّ حرفياً ثلاثة رؤساء مكلفين، وثبتَّ أن رئيس الجمهورية هو الذي يشكل الحكومة، أما رئيس الحكومة فهو أدنى من مستوى الوزير، فالأخير ملك على وزارته أما رئيس الحكومة فهو رئيس تجمع ممثلي القوى السياسية أو رئيس سعاة البريد لدى فخامته.
قال عون للمكلفين الثلاثة أنه يجب أن يكون له رأي في كل وزير يتم اختياره، فاتفق معهم واحداً تلو الآخر، أن يقترحوا أسماء فيعطي رأيه فيها، وأن يقدم هو أسماء يعطون رأيهم فيها، ففعل ما هو أدهى وأمر، رفض غالبية الترشيحات المقدمة من قبلهم، ورشح في المقابل أسماء من لدنه، كل اسم فيها خضع لجلسات تطويع عونية باسيلية قبل أن يتم ادراج اسمه في لائحة الجنرال العظيم.
أما الأسماء التي بقيت من ترشيحات جميع المكلفين، فهي إما شيعية لا يستطيع المساس بها، وإما أنه لم يفلح في تشويه سمعتها، مثلما حاول مع الدكتور فراس الأبيض الذي شنت عليه جريدة الأخبار حملة ممنهجة لتلطيخ صورته كطبيب كفوء وإداري نشيط وواقعي نجح في مواجهة أزمتي الإفلاس والكورونا. ولا يستغربنَّ أحد أن الجريدة الناطقة بأفكار حزب الله هي التي شنت الحملة، فالأخبار هي كذلك صوت العونيين الذين لا صوت لهم في الصحافة المكتوبة، وكانت ولا زالت تضم بين صحافييها وكتابها موالين لبلاط الجنرال.
أراد عون الثلث المعطل فحصل عليه وفوقه ثلاثة وزراء، أراد الداخلية والعدلية، فحصل على الثانية وألبسها ثوباً برتقالياً نقياً، أما الداخلية فرفض كل الأسماء التي اقترحها عليه الميقاتي واختار لها سنياً يرضى عنه.
طلب الشؤون الإجتماعية فنالها، وطلب حقيبة الاقتصاد لماروني، لكنه عاد وتعطف وتكرم على السنة بأن منحهم اياها شكلياً، وسمى صهره شاغلها مضموناً. وضع معادلة “يا سعد وجبران جوا، يا سعد وجبران برا” فطبقها بأمانة مجبراً الجميع على القبول بها.
طوال سنة كاملة بح صوت بعض النخب السنية وجف الحبر في أقلام كتابهم وهم يحذرون نادي رؤساء الحكومات السابقين من التفريط والسقوط في فخ عون وتعديله اتفاق الطائف بالممارسات العرجاء، والقبول بالذل الذي يفرضه على كل مرشح سني لرئاسة الحكومة، بأن يجعله موظفاً حكومياً يأتي كل يوم الى قصر فخامته ليحصل على توجيهاته، لكنهم أصموا آذانهم واستكبروا استكباراً.
وضعوا أنفسهم وطائفتهم طوع بنان الرئيس الفرنسي الذي كان أحد أبرز عرابي وصول الجنرال الى بعبدا، والمتودد الدائم الى حزب الله وايران، طمعاً بالمال والاستثمارات.
فرض عليهم ماكرون اسم مصطفى أديب لرئاسة الحكومة فوافقوا، وعندما هرب أديب بجلده من المحرقة، طُلب ماكرون من الحريري أن يخلفه، وضغط عليه الفرنسيون كي يلتقي باسيل فرفض، فهددوه بالعقوبات مع أنه مرشحهم، ليُخرج نفسه من السباق الحكومي، تاركاً لميقاتي أن يفعل ما أَنِفَ عنه وهو لقاء باسيل وعقد صفقة معه يحصل بموجبها على ما يريد هو وعمه، على أن يمنحه ثقة كتلته إن كان ذلك ممكناً.
منذ البداية كان من الواجب على نادي رؤساء الحكومات مقاطعة عون مقاطعة تامة، لا أن يتحولوا الى مجموعة من الدمى يتلاعب فيها عون وماكرون ويفرضان عليهم املاءاتهما.
ألم يسألوا أنفسهم لماذا يرجح ماكرون وفريقه كفة عون على حسابهم؟ هل لأنه مثلا قوي وعنيد لا يعبأ بالضغوطات ولا بالعقوبات، ويعرف كيف يوظف مسيحيته كحائط صد يحميه من العواصف الإقليمية والدولية؟.
أما نادي رؤساء الحكومات فلا يعرف سوى مراكمة الخيبات وجر الخزي والعار على السنة. كلما سنحت لهم فرصة للتجمع والتوحد في مواجهة الاذلال المقصود للسنة من قبل رئيس الجمهورية وفريقه أهدروها بصلافة.
خلال محاولات التشكيل المتعددة أرادوا ارضاء الجميع، محلياً وعربياً ودولياً، فخسروا الجميع، وما طالوا “لا عنب الشام ولا بلح اليمن”.
كان عليهم الثبات والإصرار على مواجهة تطرف عون ونزق باسيل مهما كان حجم الضغوطات الدولية، ولو فعلوا ذلك لأجبروا الفرنسيين وسواهم على احترام مشيئة السنة، مجبرين غير مخيرين، لكنهم خيبوا آمال السنة وجعلوهم يطأطئون رؤوسهم من العار الذي جلبوه لهم.
لقد حول نادي رؤساء الحكومات، السنة الى طائفة ذمية تحتمي بالرئيس بري وحتى بحزب الله أحياناً من عنجهية عون وكراهيته لهم.
الكل بات يستسهل التصويب على السنة والقدح والذم والتشهير بهم، وها هي جريمة انفجار عكار لم يمضي شهر عليها حتى طواها النسيان المتعمد كأنها لم تحدث، في حين أن اشكالاً بين بلدتين صغيرتين في الجنوب جعل البلد في حالة تأهب قصوى، فتأملوا يرعاكم الله.
وقريباً جداً ستصدر مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب ربما حتى قبل أن يعلن انضمامه رسمياً الى نادي رؤساء الحكومات، اذا سمحوا له بذلك. ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد وهم يعلمون ذلك تماماً، فالدور بعد دياب سيكون على الحريري وسلام.
فهناك توجه عوني لتحميل السنة والباس رؤساء الحكومات السابقين والحريري بالذات مسؤولية انفجار مرفأ بيروت. هذا المسار تطور وارتدى طابعاً مسيحياً، ولا سيما مع دخولنا موسم الانتخابات وما يرافقها من سُعار هوياتي وشحن طائفي، فماذا هم بفاعلين، ما هي ردة فعل الوزير الأول الذي استطاع بفضل الصفقة الحكومية التي أبرمها مع عون وباسيل اخراج نفسه من دائرة الاتهام؟
لقد كان الغضب الشعبي على ميشال عون وعهده الأسود في أوجّه، عقب انفجار المرفأ، وشكل وقتذاك خطراً جدياً على استمرارية عهد عون، لكن نادي رؤساء الحكومات منحه قبلة الحياة عندما قبل الانغماس في لعبة التكليف والتشكيل، والجدل البيزنطي حول الصلاحيات وتفسير الدستور، وخلال تلك الفترة الطويلة استجمع العونيون أوراق اللعبة وجهزوا الأرضية على الساحة المسيحية لتحويل قضية الانفجار الى استهداف للمسيحيين قام به المسلمون.
منح النادي عون فرصة ذهبية لافراغ حقده الدفين ضد السنة، وهو الذي انتظرها عمراً، فأبدع في اذلال السنة وممثليهم، وحصل على ما يريد بل وأكثر، غصباً عن الجميع.
بواقعية شديدة، يجب علينا الاعتراف أن ميشال عون انتصر، وحقق كل ما يصبو اليه على حساب طائفة بأسرها.
ها هو يتربع على كرسي الفخامة ويضحك ملء شدقيه مزهواً بانتصاره على السنة، ولا يزال يريد المزيد فانتظروا…