مجتمع وميديا
الحصار النفسي في زمن الاضطرابات الإقتصادية والاجتماعية والأمنية التي يمر لها لبنان
لبنان عربي – فاطمة الموسوي
يستحق “الحصار النفسي” الذي نتخبط فيه، قراءة علمية سيكولوجية، خاصة ان النكبات والازمات المتراكمة والمتتابعة تهدد حياة الانسان بكل تفاصيلها، الا أن الاشكالية الاساس تدور حول انعكاس هذا الواقع على صحة المواطن النفسية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الصحة، والتي تتأثر بدورها بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والامنية والبيئية والمعيشية وغيرها.
من هنا، وعلى الرغم من الصدمة التي يعيشها اللبناني اليوم وعلى الرغم من الوضع النفسي الذي سببه كل هذا الحصار على حياته اليومية الطبيعية، يبقى الحديث عن التأثير المستمر لكل هذه الاضطرابات النفسية على صحة الانسان العقلية والجسدية والروحية بعد انتهاء الازمة..
في هذا الصدد ينص دستور منظمة الصحة العالمية على أنّ “الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز”. ومن أهمّ آثار هذا التعريف أنّ شرح الصحة النفسية يتجاوز مفهوم انعدام الاضطرابات أو حالات العجز النفسية.
وعليه، كيف يمكن مقاربة قدرة الانسان على التكيف مع الازمات وهو في قمة الاجهاد النفسي.؟ وفي قلب الحصار المادي والجسدي والروحي؟، بالاضافة الى الجمود الاضطراري للتفكير والتحرك والمبادرة وفقدان القدرة على اعتماد مبدأ الصراع والمواجهة. فالتفلت الامني مثلا وعدم الانضباط الاجتماعي يهدد حياة الناس ويفقدهم القدرة على المواجهة لفك الحصار الاقتصادي والنفسي، وبالتالي كيف يمكن التحرك بين الرصاص العشوائي على المحطات وعلى طوابير الافران؟ ناهيك عن القتل بسبب السرقة او الثأر أو افتعال مشكلات التخريب وتشويه صورة المجتمع.
الحصار النفسي الذي تسبب بارتفاع نسبة المشاكل الشخصية والعائلية والزوجية والعلائقية خفف من القدرات الجماعية والفردية على التفكير، التأثر، والتفاعل مع بعضها البعض كما التمتع بالحياة. وعلى هذا الأساس، بات تعزيز الصحة النفسية وحمايتها واستعادتها شاغلاً حيويا للأفراد والجماعات في لبنان.
وفي ظل هذه الازمة لم يعد هناك فرق بين المواطنين اللبنانيين مهما كانت صفاتهم ومواقعهم ودرجاتهم المعيشية، حيث نرى بأن الجميع يتعرض لنفس المخاطر التي تحدق بصحتهم النفسية.
وكل المؤشرات لم تعد تعني للمواطن اللبناني بشيء امام مؤشر الحق بالحياة. فمؤشر التعليم والفقر والتمييز القائم على نوع الجنس، كلها مؤشرات قد تسقط أمام قنبلة ترمى من هنا ورصاصة موجهة او طائشة من هناك. وهذه من ابرز العوامل التي تؤثر على مستوى الصحة النفسية، وأنماط الحياة غير الصحية، ومخاطر العنف واعتلال الصحة البدنية، وانتهاكات حقوق الإنسان.
لذا بتنا نسلّم اننا نعيش في بلد لا يحترم أدنى حقوق المواطنين في الحياة أو الهوية او الانتماء الى وطن، كما انه لا يحترم أدنى الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية الاقتصادية والثقافية التي تعتبر من العوامل الأساسية لتعزيز الصحة النفسية. ومن الصعب كثيراً، دون الأمن والحرية اللّذين تكفلهما تلك الحقوق، الحفاظ على مستوى عال من الصحة النفسية.
في النتيجة لا بد من الاعتراف بأن القضايا الواسعة النطاق المتعلقة بتعزيز الصحة النفسية غير متوفرة على الاطلاق في لبنان، لا في السياسات ولا في البرامج على مستوى الحكومة المنتهية الصلاحية قبل وبعد تشكيلها، ولا حتى في القطاعات القائمة من التعليم والعمل والعدالة والنقل والبيئة والإسكان والرعاية الاجتماعية وكذلك قطاع الصحة..
لبنان في قلب الانهيار والحصار الاقتصادي تحول الى سجن لكل لبناني حر، كما انه تحول الى مقبرة لاحلام الشباب والمبدعين.. أما الخوف الحقيقي فهو التحول من انتظار الموت الى اختياره طوعا للهروب من بلد تحول فعلا الى جهنم، لتكون المقاربة العلمية الجديدة تدور في فلك الانتحار أو تعاطي المخدرات حتى الموت.