مجتمع وميديا

الانتخابات وأزمة الهويات المتناحرة

لبنان عربي – إبراهيم فواز نشابة

 

الانتخابات وأزمة الهويات المتقاتلة على وطن اسمه لبنان. هذا أمرٌ عاديّ في جمهورية مفتوحة على كل الاحتمالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية الفوقية منذ أن كانت ولادة لبنان الكبير اسماً الصغير حجماً.

غالباً، تكون الانتخابات مسرح لعرض العضلات والزيارات الميدانية لمرشحين غير مسؤولين حتى عن أنفسهم في كيفية التعاطي مع الناس والمجتمع منذ سنوات، حتى أنك لا تراهم في مجالس العزاء، ولا في الاحتفالات أو المهرجانات، ولا في كل اللقاءات التي تشير الى هوية إنتماء هذا الرجل السياسي المرشح الى هذه الدائرة الانتخابية الفارغة من وجوده وهويته وتاريخه وأفعاله.

في زمن الانتخابات تُعرقل كل المسارات الاجتماعية العلائقية والسياسية إكراماً لكل مرشح باسم الطائفة، من أجل التوازن التاريخي والأبدي بين الطوائف وقادتها، وحفاظاً على مصالح الأحزاب والزعامات صاحبة التمثيل الأقوى فيها.

لذلك نرى تجدد الخلافات والمنازعات والاتهامات، وعودة الخطابات الطائفية الحاقدة، وولادة هويات جديدة تتقاتل بشراسة حتى انتهاء فترة الانتخابات، وتحقيق الإنجازات والمعجزات باسم الوطنية والمواطنة والإنتماء ونهضة البلد، لننتهي بانتصار الطائفة ودمار المؤسسات وعودة المواطنين عشرات السنين الى الوراء.

لم يطوِ لبنان صفحة الانتخابات الطائفية البغيضة، ولم يبتعد يوماً عن المواجهات المذهبية والشخصانية والمناطقية المدمرة، إذ تشهد البلاد خلال هذه الفترة مواجهات دامية من جهة، ومواجهات خطابية إعلامية تدمر بشكل ناعم من جهة أخرى.

الاقتتال حول حصص الزعماء وأمراء الطوائف، سبق له أن عطل البلد لأشهر وسنوات، وقد يعطل البلد، المعطل أصلاً، لأشهر بسبب خلاف على تقاسم الحصص في الحكومة، أو على تمثيل الطوائف في القانون الانتخابي، أو حتى على طائفة مدير عام. وقد لا يتردّد رجل دين في تأييد موظّف كبير علناً، رغم شبهات الفساد حوله، لأنّه من حصّة طائفته.

أما المعركة الهوياتية الانتخابية الأخطر اليوم، فهي المعركة على أرض عالم الانترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخمد نيرانها، وهي الأكثر ضراوة وشراسة وانتشاراً، وهي التي تفضح سر الهويات المذهبية والطائفية المتقاتلة بشكل علني، لتُبيّن بشكل جليّ وواضح أن لبنان هو رسالة محبة مسلوبة من جماعات تستمتع بخطاب الكراهية، حيث نرى صراع الهويات في العالم الافتراضي صراع وجود وانتماء ووطن.

يحدث ذلك كلّه على وقع شعارات التعايش، والحوار بين الأديان، والمُفاخرة بالتنوّع اللبناني في الإعلام. لكن في الواقع، إلى أي مدى ينازع اللبنانيون بعضهم البعض بسبب الدين أو الطائفة حقاً؟ وهل المشكلة في تعصّب الأفراد لهوياتهم الدينية، أم في مكان آخر؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى