لبنان عربي – وحيد حمود
هل كان ليخطر ببال المخرج السوري الكبير بسام الملا، رحمه الله، أن تتردّد جملة من مسلسله الشهير “باب الحارة” بعد غيابه بسنوات، وتحتلّ عنوان مقالة بسيطة في لبنان؟
من يدري؟ ربّما، وربّما لا، ولكن المقاربة هنا تختلف قليلًا، فمن هو الغالي؟ وكيف تمّ إرجاعه ليخطف الأضواء من جديد؟
حريٌّ بنا أن نعترف بغالبيّتنا، أنّ “باب الحارة” المسلسل السوري الشهير احتلّ قلوبنا ومشاعرنا لسنوات طويلة، ولم تزل إلى اليوم تنتشر “الريلز” عن أبطاله فيحفظها الصغار ويردّدها الكبار والشباب مسترجعين بذلك حقباتٍ مضت من ماضٍ مَرّ.
فماذا عن باب الحارة اللبناني؟ دعوني أخبركم بعض الأمور، تريّثوا قليلًا فالمقالة لن تطول، هيّا بنا.
باب الحارة اللبنانيّ، مسلسلٌ طويل عمره مئات، بل آلاف الحلقات، امتدّ لسنواتٍ كثيرة ولم تنتهِ أجزاؤه بعد، فبعد أن تمّ إقصاء “دينامو” المسلسل لأسبابٍ نجهلها، ها قد عاد مجدّدًا لنردّد جميعًا “رجع الغالي يامو..رجع الغالي”.
تركض الجارة أم بدر التي ارتفع ضغطها من قلّة الماء وبخاصّة الماء الساخن لترفع “ديجونتير” القازان، فالغالي قد رجع، تقول:
“الحمدلله يرجع ساعتين أحسن من بلاهن”، تركض أم عصام لتزيل الغبار عن الغسالة الأوتوماتيكيّة سعة ٨ كيلوغرام، والتي كانت بعطلةٍ طويلة، فتضع فيها ربع طنٍّ من الثياب. لماذا يا أمّاه تفعلين بي هكذا؟ تتمتم الغسالة التي أرهقها الحِمل الزائد.
فتصيح صاحبة المنزل: “يا رب يضل الغالي بيناتنا ساعتين لحتى لحّق كومة هالغسيل”. يركض أبو النار الذي التصق قميصه الداخلي بشعيرات صدره من أثر الحرّ لينعم بساعتين من المكيّف أو المروحة، في حضرة الغالي.
سعادةٌ غريبة يعيشها الشعب الفقير إلى الله، سعادةٌ يملؤها الرضى بعودة الغالي لساعتين.
المخرج يجلس وراء كاميرته، يضحك كثيرًا، تملأ قلبه السعادة التي زرعها بعودة الغالي لساعتين، يدخّن سيجارة “المارلبورو”، ويصفّق من بعيد مندهشًا لمشاهد القناعة المُقنعة التي يؤدّيها أفراد المسلسل.
يجلس الكاتب بجواره واضعًا كفًّا على كفّ، محملقًا في التطوّرات التي أحدثتها عودة الغالي، يبتسم ابتسامة رضى هو الآخر مع غصّةٍ في القلب، غصّةٍ تسري بدم أي كاتب على سذاجة تأدية الأدوار دون إنكار، غصّة الذي توقّع أن يقف الجمهور، كلّ الجمهور متسائلًا:
كيف تغيّبون أهم أبطال المسلسل تحت ذريعةٍ غير مقنعة ثمّ تعيدونه بذريعةٍ أُخرى تحمل العار في أحشائها؟ أتظنّوننا سُذّجًا لكي تشحذوا لنا بطلًا لساعتين ثمّ تغيّبونه ونصفّق لكم؟
يصدر صوت قويّ “CUT”!! فيعود الكاتب من سفرة أفكاره الخياليّة، يبتسم للمخرج الذي يقول لأهل الحارة بصوتٍ عالٍ:
لقد كنتم مذهلين حقًّا، سنسجّل المشهد. ولن يتوقّف باب الحارة عن العرض ولو صرنا في الجزء الألف.