لبنان عربي- خاص
شهدت طرابلس منذ يومين “عملية تمشيط جدية”، للبسطات المتمركزة بشكل عشوائي على ضفتي نهر أبو علي، وأزالت عناصر الجيش اللبناني كل ما يشوّه المنظر العام ويعيق عملية السير، وأعادت سقف نهر أبو علي الذي كان مدرجا من ضمن مشروع الارث الثقافي، الى طبيعته الأولى الخالية من أي فوضى.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، هو التالي:
لماذا اليوم بالتحديد، أقدم الجيش على ازالة هذه البسطات وهي موجودة منذ أكثر من سبع سنوات؟ ألم ترى الجهات المولجة بمشروع الارث الثقافي هذه المخالفات تتكاثر من قبل؟ ماذا فعلت وكيف تحركت؟ وماذا كانت النتيجة؟
وأكثر من ذلك، شهد سقف النهر نفسه، منذ حوالي السنة، حريقا هائلا قضى على اغلب البسطات وما عليها، وقيل يومها ان الحريق مفتعل لاعادة ترتيب “سوق البالة”، لكن الترتيب اخذ شكلا مختلفا عما عهدته الناس، اذ جاء أحد الشبيحة ليطلب من كل شخص احترقت بسطته أن يدفع مبلغا وقدره 500$ اميركي، اذا كان يريد العودة الى العمل تحت عنوان “تصليح السوق”، والا تُشترى منه بسطته ويرحل عن المنطقة، وهو ماجرى بالفعل، حيث ترك عدد كبير من “الدراويش” بسطاتهم، لأن لا قدرة لهم على دفع المبلغ، وراحوا يطلبون الرزق بأنواع شتى وأمكنة أخرى، بالمقابل دفع من لديه الملاءة المالية المبلغ المطلوب ليعيد ترتيب بسطته بشكل جديد.
في كل هذه المشهدية، أين كانت الدولة؟ أين كان دور البلدية؟ أين كانت كل السلطات التي لها شأن في هذا الأمر؟ ولماذا لم يتدخل الجيش حينها ويكمل على ما تبقى من بسطات فيزيلها بالقوة وينهي هذا الأمر؟ بالطبع لم يكن الأمر متوفرا له، فالجيش ينفذ، هو آداة ميدانية بيد السلطة الحكومية، يطلب منها فعل كذا، ويمنع من فعل آخر.
فلماذا بالتحديد اليوم؟ وهل هذا الاجراء سيعم كل انحاء المدينة، فنستيقظ غدا ونشهد ان جميع المخالفات اصبحت في خبر كان؟ أم انه استجابة لضغوطات من هنا ونكد سياسي من هناك، ما ان تعود المياه الى مجاريها الطبيعية حتى تعود المخالفات الى الطرقات والأرصفة وما شابه ذلك.
وماذا أيضا عن مصير عشرات العائلات اللبنانية والسورية التي كانت تعتاش من هذا السوق؟ هل أمّنّا لها البديل؟ أم تركناها لقدرها؟ لتتحول بعد فترة من الزمن الى مشاريع مشبوهة جديدة، بفعلها او بتدبير السلطة؟
ما جرى طبعا، كان يجب ان نشهده منذ سنوات عديدة، وهو مطلب كل طرابلسي وطرابلسية، لكن ماذا بعد؟ أي مصير ستواجهه العائلات الفقيرة المعدمة، التي فوق فقرها كان يشبّح عليها، ويفرض عليها “الخوات”، من قبل “زعران” يلبسون زورا لباس “القبضايات”، ويغطى البعض منهم من جهاز أمني لا يحظى بالاجماع داخل المدينة، نتيجة التجارب المريرة السابقة معه.
ماذا بعد؟ وماذا عن المخالفات الأخرى التي تعود “لعلية القوم”، هل سنجد من يداهمها ومن يزيلها ولو بالحوار؟ أم أن ما يجري على الفقراء لا يجري على اصحاب السلطات والاغنياء؟